* لقــد اخترت شخصــية تقريري هذا لــروجيه الجارودي لأتعرف عليه أكثر من ناحية نشأته وأعماله وأهم ما جاء في كتبــه وأهم نقطه وهي كيف أسلم وكيف أعلن إسلامه ودوره فــي الحــيـاة ، فهو مفكر ومعاصر نشا في اسرة بعيدة عن التدين الى ان اهتدى الى عش السلام والأمن إلا وهو الاسلام دين كل مسلم ومسلمة ولم يقتنع قط بفكرة الحضارة الغربية التي لا معنىً لها ، وفي الاخير وجد المعنى الحقيقي لحياته في الاسلام ..
روجــيه جارودي
* في بيته المتواضع في شرق العاصمة الفرنسية باريس يقضي الفيلسوف الفرنسي المسلم "روجيه جارودي" بقية أيام حياته بعد أن منع من الحديث في الصحافة وعتم على نشاطه وإنتاجه الفكري بعد أن اتهم "بمعاداة السامية"؛ عقب نشر كتابه الذي أثار ضجة في فرنسا حول "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية".
الرجل الهرم الذي استقبلني في بيته صحبة زوجته في خريف سنة 2024 واللذان يقطنان في شقة متواضعة تشرف على نهر السين، كان مشروع "مثقف القرن" بفرنسا لولا حدث قلب حياته رأسا على عقب هذا الحدث هو بلا شك "اعتناقه الإسلام"، وربما لخصت وقائع المحاكمة التي أجريت لجارودي في عام 1990 مسيرة حياة الرجل الدرامية على جميع المستويات ورحلة البحث التي لم تنته حول الحقيقة، وحول إضفاء معنى للأفكار ولحياته وللإنسانية، حيث يقول جارودي في أول أيام المحاكمة متوجها لقاضيه وللجمهور الحاضر في قاعة المحكمة: "إنني أستاذ جامعي متقاعد، وكاتب ألفت 54 كتابا وترجمت كتبي إلى 29 لغة وقدمت عني 22 أطروحة جامعية، وقد قاومت النازية في أثناء الاحتلال، ونفيت طيلة 33 شهرا في الجزائر، وكنت عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي لكنني فصلت من الحزب عام 1970؛ لأنني قلت إن الاتحاد السوفيتي ليس بلدا اشتراكيا، كما عملت 14عاما كنائب في الجمعية الوطنية (البرلمان) ثم اعتنقت الإسلام".
متهما بمعاداة السامية
* لخص جارودي في هذه الأسطر رحلة حوالي ثمانين عاما من البحث الفكري والعمل النضالي وفي قضية "المحاكمة بالذات" والتي انتهت بالقضاء على الصورة الإعلامية لجارودي واتهامه بمعاداة السامية يلخص جارودي في محاورته مع قاضيه "جون إيف مونفورا" هذا المخاض الفكري الذي عاشه طيلة حياته كفيلسوف ومفكر ومناضل، ويحاول إقناع القاضي دون جدوى بالخيط الرفيع الذي يفصل بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، حيث يدور الحوار التالي بينهما في اليوم الأول للمحاكمة:
"جارودي:.. إنني لم ألبس القفازات عندما كتبت الحقائق، ولهذا تم إقصائي.
القاضي: لكن أفكارك تغيرت 90 درجة.. كيف تفسر ذلك؟
جارودي: عندما منحت جائزة الملك فيصل قلت إني دخلت الإسلام حاملا بيدي الإنجيل وباليد الأخرى كتاب (رأس المال) لماركس.. وإنني أؤمن بالأديان التوحيدية الثلاثة، فما معنى التحول في آرائي؟
القاضي: ألا تعتقد بأن التسلح بالعداء للصهيونية يخفي وراءه العداء للسامية؟
جارودي: إن النضال ضد السياسة الصهيونية لدولة إسرائيل التي هي الغذاء الوحيد للموقف العدائي ضد السامية يؤلف جزءًا من نضالي ضد اللاسامية. لقد قلت واكرر هنا: اليهودية دين أحترمه ولكن الصهيونية إيديولوجيا أحاربها…".
طبعًا لم يقنع جارودي حينها قاضيه ولم يقنع الآلة الإعلامية الفرنسية التي شنت ضده حملة لا سابق لها ضد مفكر فرنسي ومناضل قاوم النازية، وسجن في معسكر اعتقال نازي في الصحراء الجزائرية، فلقد مثلت هذه المحاكمة في نظر الكثيرين منعرجًا في الحياة الفكرية والسياسية الفرنسية أصبح فيها لسلاح "معاداة السامية" معنى حقيقي وقانوني وردعي، وأسدل الستار بعدها وللأبد في الإعلام الفرنسي وفي المنتديات الفكرية والسياسية على شخصية "روجيه جارودي" فقد دفن الرجل حيًّا على حد تعبير صديقه الأب "ميشال ليلونج" وتخلى عنه كل المقربين منه وانعزل في شقة قاصية في ضواحي باريس وربما حتى وفاته.
جارودي.. في عصره الذهبي
* يجب أن نعود إلى أواسط السبعينيات لنستحضر العصر الإعلامي والفكري الذهبي "لروجيه جارودي"، حينما كانت وسائل الإعلام الفرنسية تتهافت على بيته، وكان حضور الرجل في المشهد السياسي الفرنسي لا غنى عنه ومثل الفيلسوف السياسي أحد أركانه الأساسية، كان جارودي حينها "اشتراكيا"، ولكنه في الوقت "رمز الثورة على الشيوعية السوفيتية"، وينظر إليه المثقفون الفرنسيون بإعجاب حيث يقول عنه "كلود قليمان" -وهو أحد كتاب سيرته الذاتية- بإعجاب: "جارودي ينتمي إلى جيل من المثقفين والمناضلين الذين لا نستطيع مطلقا أن نحدد وبدقة ما يمكن أن نستشرف آفاقهم الفكرية".
ولا يتوانى كاتب سيرته حينها في إعطاء الصفة الإنسانية لفكر "جارودي" شأنه في ذلك شأن كل عظماء الإنسانية الذين جابوا الشرق والغرب بحثا عن الحقيقة حيث يقول "قليمان": إنسانيا أيضا، الرغبة في السفر تمثل أحد أركان شخصيته والتطلع للذهاب والبحث الميداني، إنه المنفى إلى الأشياء والكائن، حيث إن المسار الماركسي للرجل يجعله يبحث عما هو ملموس، جارودي الفيلسوف سافر كثيرا والأيدولوجيا عنده يجب أن تواجه على الميدان الأفكار". ويضيف المؤلف: "في نظر الفرنسيين أعتقد أن صورة جارودي لا ترتبط بالحزب الشيوعي الفرنسي بقدر ما ترتبط بالجنرال شارل ديجول: أسطورة جميلة وغنية".
منبوذ ككل "نبي مجهول"
* كيف يمكن أن تكون هذه "الأسطورة الجميلة والغنية" على حد تعبير الكاتب إلى وجه كريه وعنصري ومعادٍ للسامية وما الذي جدَّ في حياة "روجيه جارودي" حتى ينبذ ككل "نبي مجهول"؟!
هناك معطى مهم في حياة "روجيه جارودي" ميز حياته ومسيرته الفكرية وهو أنه تحول وانتقل من أكثر من مدرسة وأكثر من منظومة فكرية إلى أخرى ومن نسق عقائدي إلى آخر فالشاب الذي اعتنق البورتستانية في أول أيام حياته سرعان ما تخلى عن جزء منها ليعتنق الفكر الشيوعي وليصبح أحد أبرز المنظرين والمترجمين لأفكار كبار منظري الماركسية ولكنه عاد لينقلب على الشيوعية، ويتحول إلى اعتناق المسيحية الكاثوليكية ومنها انتهى به المطاف إلى الإسلام.
لا شك أننا إزاء شخصية فريدة في التاريخ الإنساني الفكري المعاصر أبرز سماتها التحولات الفكرية، حيث يقول عنه أحد كتاب سيرته باللغة العربية وهو "أبو المجد أحمد": إننا لا نلتقي كل يوم بأمثال هذا الرجل الفذ الذي لا تضلله العبقرية ولا محجب عنه غرور العظمة ضرورة الاستمرار في المضي قدما على الدرب المؤدي إلى الحقيقة".
البعض من المثقفين العرب والمسلمين مضى في احتفاله "باعتناق روجيه جارودي" للإسلام نحو اعتبار أن هذه المرحلة هي مرحلته الأخيرة والنهائية وبالتالي فلا مجال للحديث عن تبدل فكري أو عقدي بعد هذه المرحلة حيث يقول رامي كلاوي وهو أحد كتاب سيرة جارودي بالعربية قائلا: "روجيه جارودي الذي مرَّ بكل هذه التجارب ألتي أحصيناها واحدة بعد أخرى إلى أن وصل إلى محطته الأخيرة.. فأشهر إسلامه رسميا بعد أن اعتنقه نظريا وقلبيا لبعض الوقت"
روجيه.. قبل إسلامه
* ولكن من هو "روجيه جارودي" قبل إسلامه؟ إنه صاحب مقولة "الحياة تطرح المسائل والفلسفة تجيب عنها"، ويقول عنه صاحب سيرته الذاتية "سيرج بوريتينو" في كتابه جارودي: "من حظ الفيلسوف أن يعيش مرحلة مفصلية في التاريخ أين تعاد صياغة النظم والقيم ومعاني التاريخ ذاتها وحياة الناس الذين يعيشون هذا التاريخ والذين يطرحون التساؤلات". ويضيف الكاتب: "روجيه جارودي كان له هذا الحظ حيث عاش بصبر هذه المغامرة من قرننا هذا".
طبعًا المراحل المفصلية في حياة "روجيه جارودي" أنه عاش جل المحطات المهمة التي شهدها القرن العشرون، فقد ولد سنة 1913 بمدينة مرسيليا جنوب فرنسا قبيل سنة واحدة من اندلاع الحرب العالمية الأولى وعايش انتهاء الحرب الأولى وتوقيع الهدنة سنة 1918 وعرف صعود النازية في ألمانيا؛ ومن ثم إعلانها الحرب في أوروبا ومقاومتها التي شارك فيها "جارودي" وسجن على إثر ذلك من قبل المارشال "بيرتان" المتعاون الفرنسي مع النازية كما واكب جارودي سقوط ألمانيا النازية وصعود الاتحاد السوفيتي عقب الحرب، حيث كان متبنيا متحمسا للشيوعية.
وكان أول مترجم فرنسي لمؤلفات "لينين"، حيث ناقش في موسكو أول دكتوراة لفرنسي في جامعة موسكو بعنوان "الحرية" غير أن جارودي تمرد على الأفكار الشيوعية ليستقيل أو ليطرد من الحزب الشيوعي سنة 1970، ويمضي في جولة في العالم يقابل فيها أبرز الشخصيات والزعامات العالمية آنذاك مثل: الزعيم الكوبي فيديل كاسترو والزعيم الليبي معمر القذافي والرئيس الجزائري هواري بومدين والعديد من الرؤساء العرب الآخرين، وينتهي به الأمر إلى اعتناق الإسلام في مدينة جينيف السويسرية سنة 1982 السنة الثانية التي قدم فيها للمحاكمة بعد مقال في جريدة "لوموند" الفرنسية ينتقد فيها الجرائم الإسرائيلية في لبنان على إثر الغزو، وبطبيعة الحال فإن جارودي واكب فيما بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وقيام ما يسمى بالنظام العالمي الجديد والحربين على العراق من قبل بوش الأب والابن.
إن أهم ما في حياة "جارودي" ليس بالقطع تاريخه النضالي السياسي ضد النازية أو تمرده على قناعاته الشيوعية الموالية للاتحاد السوفيتي، ولكن في اعتباره من أبرز الفلاسفة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي إلى غاية حلول الألفية الجديدة سنة 2024 حيث أخرج كتابه "الإرهاب الغربي"، وقد ألف "روجيه جارودي" حوالي خمسين كتابا، هذا فضلا عن ترجمة للعشرات من الروسية إلى الفرنسية في أثناء فترة تبنيه للفكر الشيوعي.
وتمثل مؤلفاته ثلاث مراحل مهمة من حياته فكتب مثل "الإنسانية والماركسية "، و"أسئلة إلى سارتر"، و"كارل ماركس"، و"من أجل نموذج فرنسي للاشتراكية"، و"فكر هيجل"، و"ما هي الأخلاق الماركسية".. تشكل المرحلة الأولى لفكره الماركسي الشيوعي.
أما المرحلة الثانية من المؤلفات فهي ما يمكن أن نسميها فترة الخروج من القمقم الشيوعي والتمرد على الماركسية نموذجها على سبيل المثال كتب عديدة مثل "الحقيقة كلها"، و"البديل"، وكتابه ذائع الصيت "نداء إلى الأحياء"، و"كيف أصبح الإنسان إنسانيا".
المرحلة الثالثة من المؤلفات يمكن أن نسميها المرحلة الإسلامية وأهم معالمها كتب من أمثال "ما يعد به الإسلام"، و"الإسلام دين المستقبل"، و"الإسلام وأزمة الغرب"، و"هل نحن بحاجة إلى الله"، وطبعا كتابه الذي أدى به إلى المحاكمة "الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية"، و"الأصوليات المعاصرة".
لا شك أنه ليس هناك من المفكرين والسياسيين الفرنسيين من يشك في قيمة "روجيه جارودي" كمفكر وسياسي ومناضل، غير أن السؤال الحائر الذي ظل يراود النخب الفرنسية هو كيف اختار هذا الفيلسوف أن ينبذ كل الميراث الثقافي والفكري الغربي ليعتنق الإسلام؟!
ويقول جارودي في مقدمة كتابه "حوار بين الحضارات": "في كل مرحلة من هذه المسيرة حول العالم قرأت كتب الإنسان المقدسة (زاندافستا) الزراديتشيين في إيران وملحمة جلجامش عن الخليج العربي وملحمة رامانايا في دلهي.. وقرأت القرآن مثلما قرأت التوراة. ومن هذه الأنوار الماضية كان أناسي عصرنا يمتحنون معنى وجودهم وترتدي وجهها الإنساني"
وقد تأرجحت المجتمعات الغربية منذ عصر النهضة ما بين فردية قائمة على المركزية واستبداد مطلق.. وهما وجهان لعملة واحدة، وقد كتب كاتب ألماني في عهد هتلر: “نحن الألمان جميعاً أصفار والتدهور هو الرقم الوحيد الذي يلي هذه الأصفار ليعطي معنى للجميع”!.
** ومازال الحديث عن جارودي ومعه في لقاءاته بالقاهرة.. في الجامع الأزهر، وفي دعوة اتحاد الكُتَّاب، ومعرض الكتاب الدولي، ومكتبة القاهرة الكبرى.
الخاتمة :
* الحمد لله الذي بنعمه تتم الصالحات، والصلاة والسلام على من بعثه الله رحمة للعالمين، وهادياً للناس أجمعين صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: واخيرا وليس اخرا فاتمنى ان تكون هذه الشخصية نموذجا بارزا لكل تائه وباحث عن طريق الهداية والنور وهي ( محمد رجاء جارودي ) هو الذي ساهم في خدمة العالم الاسلامي .. ولايزال يصر على ان مهمة المفكر هي تحطيم الاصنام والاساطير والاغلال قال تعالى (اذا جاء نصر الله والفتح ورايت الناس يدخلون في دين الله افواجا )) الحمدلله على نعمة الاسلام وانا من رايي وتوصياتــي لموقف هذا الشخص انه موقف عظيم وجميل وانا اؤيده على افعاله واقواله التي قالها عن الحضارة الاسلامية وكذلك الاسلام .. فكيف لا وهو قد دخل في دين الهدى والصراط المستقيم ؟!!
المصادر والمراجــع :
1-غارودي في المحرقة – محاكمة تفكيك الأساطير الصهيونية نص جلسات المحاكمةx ص 40 – 41 – شاكر نوري – مؤسسة الرافد للنشر و التوزيع 1998 , لندن المملكة المتحدة.
2- رحلة فكر و حياة رجاء غاروديx ص 19 – ابو المجد احمد – درا البعث للطباعة و النشر قسنطينة الجزائر 1983 .
روجيه جارودي ,, المفكر الفرنسي المسلم ,, وعدو الصهاينة
بس اطلب منكم تقرير عن المظاهر الفكرية لو سمحتو بسرعة
جزاك الله خير
يسلمووووووو
اولا: يسلمو ع التقرير
ثانيا: مجال الفكري
تجمع العديد من الدراسات التي تعنى بالشأن المستقبلي للعالم العربي الإسلامي على أن التغيير الثقافي هو أحد أسس تغيير الواقع، وهو ما يعني بشكل واضح أن هذا التغيير المنشود لا يمكن أن يكون شرقيًا ولا غربيًا، ولكنه تغيير ينطلق من خصوصيات الأمة ومقوماتها المحلية.
ويدفعنا القول بخصوصية الأمة ومقوماتها إلى تسطير بعض المبادئ التي من المفترض أن ينطلق منها كل عمل ثقافي يراهن على تحقيق بعث حضاري للأمة الإسلامية. ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر:
1- التركيز على المبادئ والخصوصيات الأساسية للأمة الإسلامية.
2- الحرص على تحقيق الإقناع لدى الناشئة بمقومات الأمة وخصوصياتها.
3- بناء وخلق الدافع الذاتي الذي يحول الاقتناع بالأفكار إلى أعمال ميدانية ملموسة.
4- العلم بالوسائل الموصلة إلى الغايات والفصل فيها بين ما هو شرعي جائر وما هو غير شرعي.
ومن شأن هذه الوسائط أن تعمل على:
1- تقوية النسيج الاجتماعي ارتكازًا على البعد الديني وعلى أخوة المسلمين ووحدة عقيدتهم.
2- نشر ثقافة التعمير ومحاصرة ثقافة اللامسئولية والميوعة المنتشرة والمزدادة تناميا يوما بعد يوم، حتى نخرج عن أَسْر الفكر والسلوك الغربيين.
3- ترويح النفس عن كدها وعملها (ثقافة ترويحية) .
4- العمل على إعلان المواقف من القضايا الطارئة أو القديمة.
5- شحذ الفعالية الروحية لدى المرء.
وفي أفق تحقيق ذلك تمر الثقافة بثلاث مراحل هي:
أ: مرحلة المزاحمة: وفي هذه المرحلة يمكن أن نتحدث عن بداية بروز بعض المواقف من القضايا الفكرية والاجتماعية وربما السياسية، ولو على استحياء. وهي مواقف تستمد ما توصلت إليه من حسن قراءة القرآن والسنة وتراث السلف الصالح، ولا يضر أن يكون من بين هذه المواقف ما هو على خلاف تام مع المواقف السائدة والغير مستندة من هذه الأصول الإسلامية.
وللتذكير فإن هذه المواقف غالبا ما يُنظر إليها على أنها مواقف متطرفة ورجعية ولا تساير العصر، كما يُنظر إلى أصحابها على أنهم رجعيون ماضويون إلى غير ذلك من الصفات التي يوصف بها كل ذي ثقافة إسلامية تسعى لأن تجد لنفسها أرضية للانتشار والتمكن.
ب: مرحلة التحدي: ويكون هدفها الأساس هو تقريب الدين إلى نفوس أبناء الأمة وتحبيبه إليهم.. ويمكن أن يسلك في ذلك الدعاة المثقفون الإسلاميون طرقا متعددة، منها: إبراز مصادر ثقافة الإسلام من الكتاب والسنة أساسا، وإبراز التصورات الإسلامية الحقيقية الكفيلة بحسن تنظيم وتسيير الحياة العامة وضبط العلاقات بين الأمم والشعوب، وإبراز قدرة الإسلام على الفصل في كل النزاعات والخلافات مهما صغر حجمها، بل إبراز قدرة الإسلام على الإجابة عن كل الإشكالات التي تعترض الأمة في حياتها اليومية، سواء ما تعلق منها بالاجتماع أو السياسة أو الاقتصاد أو التعليم والإعلام بل وحتى في المسألة الفنية والعلاقات الدولية وغيرها، وفي أدق تفاصيل الحياة اليومية.
ولا ينفصل عما سبق العملُ على إبراز حقائق التاريخ الإسلامي كما هي دون تحريف ولا تغيير، والرد على الشبهات والأباطيل التي ألحقها به المغرضون عبر مراحله وحقبه. ومن شأن كل هذا أن يجعل الثقافة الإسلامية، لكونها تستند إلى قاعدة صلبة تنطلق منها وإليها وهي دين الإسلام، قادرة على أن تتحدى كل الطروحات الفكرية والثقافية السائدة البعيدة عن النهل من الإسلام وينابيعه.
وتقتضي عملية تحدي الرأي الآخر، في إطار سنة التدافع في هذه الحياة الدنيا، التخلق بخلق الإسلام في الحوار والجدال، مصداقا لقوله تعالى: "وجادلهم بالتي هي أحسن" وتأسيا بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي حاور خصومه وأعداء الدين. بالإضافة طبعا إلى الانطلاق من منطلق الراغبين في إصلاح الأمة والسير بها إلى بر الأمان، وما يتطلبه ذلك من رحمة بالناس وصبر على أذاهم وإيمان بحتمية الانتصار على الباطل.
ج: مرحلة الريادة: وفي هذه المرحلة بالذات يكون للموقف الثقافي والفكري المستند إلى الإسلام ومبادئه وزن واعتبار في المنظومة الفكرية والثقافية الموجودة بالبلاد العربية، يضاف إلى ذلك المعرفة الجيدة بالواقع الذي سيحتضن هذه الثقافة، ومن هذه المعرفة إدراك طبيعة التيارات الفكرية العاملة في الساحة الثقافية، ومن خلال ذلك التعرف على رجالات الفكر والثقافة من خلال ما يكتبون وينشرون، وبالتالي تصنيف هذه الآراء الثقافية والتيارات الفكرية بحسب القرب أو البعد من الإسلام ومبادئه، والخلاصة في هذه الحالة أن يسعى المثقفون الإسلاميون إلى ضم القريب منهم، وتقريب البعيد عنهم.
إن هذه القوة التي يتميز بها المثقفون "الإسلاميون" في التبليغ والإقناع، وفي الاحتواء والتجاوز، تجعل منهم روادا لغيرهم في مجالات عملهم، سواء ما تعلق من ذلك بالعمل الثقافي الخالص، أو بالعمل الاجتماعي، أو بالعمل السياسي….
د: مرحلة الإمامة: وهي النتيجة الطبيعية للمراحل السابقة، ومن نتائجها أن تكثر وجهات النظر حول قضايا الإسلام في تمثلاته الثفافية والدينية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ويكون في ذلك غنى وإثراء للتوجهات الإسلامية من خلال ما تحققه من انتشار بسبب قوة الحجة والدليل لقوة الإسلام نفسه، مقابل تراجع وتقهقر التيارات الفكرية المنحرفة.
بعد الذي سبق بيانه، ترى كيف السبيل إلى إحياء ثقافتنا الإسلامية ليكون في مقدورها حقا المنافسة ثم الريادة والإمامة؟
إن الثقافة التي يمكنها ذلك من وجهة نظرنا هي ثقافة البناء، هي الثقافة التي تجعل الإنسان هدفها، والكون كله في خدمته، هي الثقافة التي تسعى إلى إعمار الكون لا إلى تخريبه. وحيث إن الدور الإيجابي للثقافة هو البناء والتأسيس، بعد التحميس والتحذير في مرحلة متقدمة، فإن لذلك شروطا وضوابط منها:
1- الحد من العدوانية: وذلك لا يتأتى إلا من خلال اعتبار السلم هو الأصل في هذه الحياة الدنيا، فلا ظلم ولا عدوان، وما كان عنفا فكريا يجب أن يرد بالفكر. وبالتبع فإن إبعاد الظلم والعدوان من دائرة العمل الثقافي التغييري معناه استحضار قيمة العدل، بما يعني ذلك من تسليم بالحق لصاحبه، كان من كان هذا الصاحب.
2- الحد من الفردانية: ومعنى هذا أن يتخلص المثقف من شعوره الدفين بذاته وأناه، ومما ينتج عن ذلك الشعور من حب للنفس قد يصل حد النرجسية، ومن إلغاء للآخر قد يصل حد الإقصاء. وهنا لا بد من التساؤل حول كيف يمكن للمثقف أن يحقق ذاته دون إقصاء للآخر. إن الأمر لا يمكن أن يتم إلا إذا توافر شرطان أساسيان في العملية الثقافية كلها وهما:
أولا: التوازن بين الذات والجماعة، بالشكل الذي يضمن معه المرء تحقيق المصلحة لنفسه لكن ليس على حساب الجماعة، بل مع مصلحته وخير جماعته. ومتى غاب هذا التوازن بين المثقف وجماعته كانت النتيجة بروز مظاهر فكرية وسلوكية تشكل معول هدم لثقافة البناء والتعمير. ومن هذه المظاهر يمكن أن نجد على سبيل المثال لا الحصر تسامي الذاتية والإعجاب ب"الأنا"، ومتى شعر المرء بذلك ظن أنه يمتلك الحقيقة كلها وان النقص لا يعتريه بل يعتري غيره. ويمكن أن نمثل لذلك بمقولة "شعب الله المختار" أو مقولة "مجد روما التليد"، وهي ادعاءات توحي بعدم إمكانية إلحاق صفات النقص بالذات وهذا محال.
ويمكن أن نجد من هذه المظاهر أيضا ما يعرف بنمطية التفكير، حيث إن الذات المصابة بتسامي الذاتية تعتبر نفسها منزهة عن النقص، وبالتالي فهي لا تحرص على تجديد ذاتها ولا على تطوير وسائل عملها ولا خطابها، والخلاصة هي أنها تعاود مرة أخرى إنتاج ذاتها بشكل نمطي رهيب، فتحيط نفسها بسياج سميك يجعلها في عزلة عن الواقع وما يجري فيه، ومن ثم فإن هذا السياج يجعلها في انقطاع تام عن الآخر، مكرسة بذلك واقع الانعزالية والتقوقع على الذات.
ثانيا: اعتبار الإنسان كلا متوازنا من ثلاثة أبعاد هي:
الإنسان/الجسد، باعتباره مادة بيولوجية وطاقة نفسية.
الإنسان/العقل، باعتباره طاقة فكرية وقوة منطقية.
الإنسان/الروح، باعتباره مصدر قيم ومبادئ ومعان روحية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه الأبعاد الثلاثة التي تحكم النظرة السليمة للإنسان لا يمكن أن تؤدي دورها المطلوب إلا من خلال تفاعلها مجتمعة. ذلك أن أي تغييب لأي عنصر منها من شأنه أن تنتج عنه إحدى النظرتين الخطيرتين التاليتين، أو هما معا:
1- تشييء الإنسان: وهذه الظاهرة تنتج متى تم إلغاء القيمة الروحية والفكرية للإنسان، في مقابل تضخيم قيمته المادية الجسدية، ولنا في هذا أن ننظر لبعض الطروحات حول المرأة التي غيبت تماما إنسانيتها وأصبحت تنظر إليها وفق مقاييس جسدية، باعتبارها مصدر إثارة الغريزة الجنسية، ووسيلة للدعاية والإشهار للسلع التجارية وترويج ما هزل من الأفلام والمسلسلات والمواد الإعلامية.
2- تأليه الإنسان: والمقصود بذلك تقديس اجتهاداته وطبعها بطابع العصمة من الخطأ، وتلك لعمري صفةٌ لا تكون لكلام بشر. ومن شأن إخراج الإنسان من صفته الإنسانية بما يعني ذلك تعرضه للخطأ وللصواب، إلى صفة أخرى تنزهه عن الوقوع فيهما، أن يؤدي إلى انحرافات فكرية، بل وعقدية أيضا، ستكون شرا ووبالا على العمل التغييري كله.
ـــــــــــــــــــ
د.عبد الرحمن الخالدي… المغرب
والسموحه وفداعت الله
ثاااانكس
|
ثااااااااااااااااااااااااااااااااااااانكسسسسسسسسسس سسس