في ظل ارتفاع أسعارها مع اقتراب الامتحانات النهائية
الدروس الخصوصية "لصوصية" تستنزف مقدرات المنظومة التعليمية
تظل ظاهرة الدروس الخصوصية مشكلة وهماً كبيراً يؤرق جميع أطراف العملية التعليمية والأسر، ما لم تتكاتف جميع الأطراف للحد منها، حيث يرى البعض أنها من أسباب تدمير العملية التربوية والتعليمية وخلو المدارس من طلابها مع اقتراب موعد الامتحانات، إضافة إلى استنزاف جيوب أولياء الأمور، لذلك يتحتم على الجهات العليا فرض إجراءات رادعة ضد اباطرة الدروس الخصوصية، فيما يرى البعض الآخر أنه مادام المدرس يؤدي واجبه في الفصل وأن هناك أسراً تشجع مثل هذه الدروس لأبنائها فإن من حق المدرس إعطاء دروس خصوصية في أي زمان وأي مكان .
تنفق بعض الأسر عليها مبالغ طائلة، حيث تتراوح للمادة الواحدة لفصل دراسي كامل ما بين 3000- 4500 درهم وتحديداً مادتي الرياضيات والفيزياء بمعدل حصتين في الأسبوع للطالب عن كل مادة، فيما يطلب بعض المدرسين من أولياء الأمور مبالغ خيالية لا تتوقعها الأسر لأخذ حصة تقوية لابنها أو ابنتها عشية الامتحان ولمدة ساعة في المادة الواحدة قد تصل إلى 1000 درهم .
وفي ظل اشتعال أسعار الدروس الخصوصية بصورة مبالغ فيها، خصوصاً مع اقتراب موسم الامتحانات ونهاية العام الدراسي، يؤكد عدد من المهتمين والتربويين، أن الدروس الخصوصية ظاهرة مرتبطة بعملية إصلاح أحوال المعلم المادية أولاً، وقبل كل شيء، بعدها يمكن أن تتم محاسبة من يقصر في واجبه لصالح الدروس الخصوصية، لافتين إلى أن هناك أسباباً أخرى تحط من العملية التعليمية في المدارس منها بعض قيادات الإدارات التعليمية غير الجادة التي لا يوجد لديها رؤية إصلاحية حقيقية وأنظمة وآليات متابعة جادة لمتابعة المعلمين وقيامهم بواجبهم المهني على أكمل وجه تجاه طلابهم .
وقال عدد من الآباء ل “الخليج” إن لجوءهم إلى الاستعانة بمعلم الدروس الخصوصية ليس من فراغ وإنما لإعانة أبنائهم على تحصيل شرح مادة لم يفهموها من معلمهم داخل الصف وخوفاً من أن تسبب مشكلة عند المذاكرة ودخول الامتحان مثلما المريض عندما يلجأ للطبيب في عيادته الخاصة للحصول على علاج لحالته الصحية التي لم يجد لها علاجاً في المستشفى العام .
وأشار الاختصاصي الاجتماعي في مدرسة درويش بن كرم للتعليم الثانوي عبدالباسط صلاح الدين إلى أن الدروس الخصوصية أصبحت إدماناً لدى الطالب وأسرته وليس فقط على المعلمين، حرصاً منهم على تحقيق أعلى المعدلات لإلحاقهم بالجامعات، مشيراً إلى أن الحد من هذه الظاهرة لن يحدث إلا بتغيير ثقافة المجتمع حيال الدروس الخصوصية، وإصدار قرار من جهات عليا رادعة لمحترفيها، مشيراً إلى أن مجلس أبوظبي للتعليم لجأ إلى تكوين مجموعات التقوية في مدارسه لطلبة الثانوية العامة، كبديل للدروس الخصوصية، وهي حصص مدفوعة بسعر متواضع لا يتجاوز 60 درهماً للحصة الواحدة، وتعطى لعدد 15 طالباً كحد أقصى في الصف الواحد ولكن ما يحصل عليه المعلم في هذه الصفوف مبلغ 450 درهماً بدلاً من 900 درهم، الأمر الذي لا يشجعه على إعطاء دروس التقوية في المدرسة ويفضل اقتحام سوق الدروس الخصوصية خارج أسوار مدرسته، لافتاً إلى أن نظام الفصول الثلاثة فتح شهية الدروس الخصوصية، فبعد أن كانت الأسرة تحتاجها لفصلين بمعدل 1500 درهم للفصل الواحد عن كل مادة أصبحت اليوم 4500 درهم للفصول الثلاثة للمادة الواحدة، لافتاً إلى أن بعض معلمي الدروس الخصوصية يتربحون من وراء هذه المهنة، حيث تصل أرباحهم إلى مبلغ يتراوح ما بين 150 ألفاً إلى 250 ألف درهم سنوياً .
وأوضحت ابتسام الحواني الاختصاصية الاجتماعية في مدرسة المواهب للتعليم الثانوي أن بعض المدارس تكاد تكون خالية من طلبة المرحلة الثانوية، في الأسبوعين الأخيرين من بدء الامتحانات وهذه ظاهرة تتكرر سنوياً، لأن المعلمين لا يقومون بجذب الطلبة بالالتزام في الحضور، مشيرة إلى أن ولي الأمر مسؤول عن عدم ذهاب ابنه إلى المدرسة .
ويرى أحمد حسن الحوسني الاختصاصي الاجتماعي في مدرسة الاتحاد للتعليم الثانوي أن الدروس الخصوصية ظاهرة شائعة في مجتمعاتنا العربية منذ سنوات طويلة، ولكنها كانت بنسبة قليلة وغير متداولة بين العائلات، ليس كما هو الحال الآن، مشيراً إلى أن أسباب ظهورها وانتشارها بهذه الصورة يرجع إلى إهمال الطالب لدروسه منذ بداية العام الدراسي، وكذلك عدم متابعة الأسرة للأبناء أولاً بأول، مشيراً إلى أن الدروس الخصوصية لها مضارها التي تمثل خطورة على أبنائها ولها سلبيات عديدة تتمثل في أن المدرس الخصوصي يلجأ للملخصات أو ملخص الملخصات ومذكرات ما قبل الامتحان بساعات ليتعلمها الطالب ويحفظها عن ظهر قلب بحيث يستفيد منها بشكل آني يؤدي إلى تخريب عقله، فضلاً عن توقف فكرة الإبداع لدى الطالب وتعلمه الاتكالية والابتعاد عن قراءة بقية الدروس .
ولفت عدد من المهتمين إلى أن نظام الورقة الامتحانية، وأسلوب الامتحانات الحالية فوت الفرصة على معلمي الدروس الخصوصية، وحد من هذه الظاهرة .
تجريم الدروس الخصوصية
أفاد مدير عام وزارة التربية والتعليم بالإنابة، علي ميحد السويدي، بأن الوزارة تجرم الدروس الخصوصية وتعاقب المعلم التابع لها، الذي تثبت عليه تهمة إعطائها مقابل أجر حسب اللوائح المعمول بها في الوزارة، مشيراً إلى أن الوزارة نظمت مجموعات تقوية مجانية للطلاب المتأخرين دراسياً أو من يواجهون صعوبات في التعلم، وأن المجموعات مستمرة طوال العام الدراسي، والهدف منها هو الحد من ظاهرة الدروس الخصوصية .
من جانبه أكد محمد سالم الظاهري المدير التنفيذي لقطاع العمليات المدرسية في مجلس أبوظبي للتعليم حظر المجلس في النموذج المدرسي الجديد على جميع العاملين التابعين له إعطاء دروس مدفوعة الأجر، لأي طالب يدرس في أي مدرسة من مدارس أبوظبي، مؤكداً أن الحصول على أجر مقابل الدروس من شأنه التسبب في تضارب مصالح غير مقبول بها، وفقاً لسياسة وقواعد السلوكيات المهنية والوظيفية المعتمدة لدى المجلس، مؤكداً في الوقت ذاته حق الطالب في الحصول على توضيح إضافي في حال عدم فهمه لشرح المعلم اثناء الحصة .
وأشار إلى أن إدارات المدارس تنظم مجموعات لتحسين مستوى الطلبة مجانية ووضع خطط فردية لرفع كفاءة الطلبة المتأخرين دراسياً، واصفاً الدروس الخصوصية بأنها عمل غير أخلاقي وغير قانوني، مضيفاً أن المعلم الذي يعطي الدروس الخصوصية، تهتز مكانته بين أوساط طلابه ويؤثر سلباً في شخصيته، لأنه يعلم الطالب الاتكالية وينمي فيه العديد من السلبيات التي تتعارض مع معايير بناء الشخصية السليمة التي يحرص المجلس على تنشئتها في الطلبة، ومن هذه السلبيات عدم اعتماد الطالب على نفسه، مؤكداً أهمية تكاتف الأسرة والمجلس والطلاب للتصدي لظاهرة الدروس الخصوصية .
المصدر : الخليج